كنت المح كل صباح وانا
ارتشف فنجان قهوتي المميزة متأملا من خلال شرفتي مجمعات سكنية شاهقة وجميلة
واسرابا من الحمام
تتزاحم على شرفة احدى الشقق وسط احدى العمارات وكأن الحمام قد ألف هذه الشرفه
ومنحها قدسيته هذه الشرفة فقط دون غيرها
يومها كنت صحفيا صغيرا
لم ازل اتهجى عالم الصحافه فقررت فجأة ان يكون لي موضوعي الاول
يكفيني اتأمل كل صباح
تزاحم المحررين وهم يكتبون ويصححون فلقد آن اوان صحوتي لكي ارسي اساس بناء شخصيتي ككاتب ولم اكن حينها ينقصني سوى الالهام
اعدت فنجاني الى مكانه
على عجل دون ان انتهي منه وقد احدثت صوتا انتبه له الجميع وبدون رويه نزلت من مبنى
الصحيفه في الطابق السابع
يدفعني فضول كبير لان
اعرف لماذا يقصد كل هذا الحمام هذه الشرفة بالذات
هرولت بسرعه الى تلك
العمارة العاليه وصعدت سلالم صعبه دون ان انتبه لوجود مصعد
كان لهاثي وانا اطرق
باب تلك الشقه يمنعني من اخراج حرف واحد بينما يسالني رجل مسن يلف نفسه
ب(روب)كاروهات جوزي وقد اشتعل رأسه شيبا وهو يبدو متسمرا بعد ان فتح الباب منتظرا
ردي
استرقت انفاسي وسلمت
عليه وقد عرفته بنفسي وطلبت منه ان نتبادل الحديث قليلا بشأن
اسراب الحمام التي تتزاحم على شرفة شقته فقط
دعاني الى الداخل ولم
يكن هناك سواه في الشقه عملت لي وله قدحا شاي سريع وجلسنا بعد ان تحدث عن رداءة
الجو والازدحامات المروريه والسياسه
التفت اليه وقلت بهدوء
يتناغم مع هدوء شخصيته:
هل لي ان اقف في شرفتك قليلا؟
فسمح لي بكل سرور كان الضوء الذي يخترق فتحة باب
الشرفه الذي تتعالى منه اصوات رفيف اجنحة الحمائم حينها وخيط الضوء الذي ينير شعر الرجل المسن ينعكس على لوحة
متسمرة في الجدار من بقايا لوحات المدرسه
الانطباعيه جميله ورائعه ولكنها ليست
اصليه
سرت بخطواتي نحو الشرفه
تاملت حنطة على الارض وسنادين لبلاب جميله فايقنت ان الشقة برمتها تخضع للمسات
امرأة جميله ورقيقة طويلة القامة من مواليد برج الحوت مثقفه وذكيه
اعدت تاملي في كل مكان
من الشقه فتاكدت من حاستي السادسة التي كانت تقول لي نفس الشيء
سالته: هل اجري معك
لقاء حول موضوع الحمام؟
اخرج غليونه وحشر فيه قليلا
من التبغ الذي فاحت رائحته العطرة في كل ارجاء الشقه وشعرت فورا انه من ماركة
الكابتن الشهيرة فادركت ان الرجل قد يكون مسؤولا ما
كان يبدو في غاية
الذكاء اذ شعر بقلقي وخوفي فمنحني الامان الذي كنت اطمع فيه وراح يخبرني انه استاذ تاريخ متقاعد تخرج من السوربون
بعد احاديث متبادله
قليلة حول الحمام واهميته في الحياة وكيف كان ينقل البريد الى امكنته بامانه
اعتاد الرجل على وجودي وصرت
المح في استرساله بحديثه فرحا بوجودي الذي يساعده علىالتخلص من وحدته قليلا وكان
ذلك يتأكد شيئا فشيئا عندما اخذ يبوح لي عن اشياء يخفيها في قلبه عن الوضع في
البلد
استثمرت تقبله لي
فسالته: هل تعيش لوحدك؟كان سؤالي الغبي هذا هو مجرد طريقه كلاسيكيه لسحبه لمنطقتي
فرد بهدوء وهو يخرج
كميه من الدخان من فمه ويلوك حروفه: لا انا اعيش مع ابنتي
هاجمته بجرأتي بعد ان
غيرت جلستي قبالته: هل يبلغ طولها 170 سم؟
ضحك كثيرا وكان يستخدم
في جمله بعض الكلمات الانكليزيه واردف قائلا هل شاهدتها؟
قلت كلا
اخفض رأسه وكانه يشيد
بذكائي قائلا: كيف عرفت؟
فقلت له :الحنطة والسنادين موضوعه بطريقه لايمكن
الوصول اليها وسقيها يوميا دون الاستعانه بشيء ما ولا يوجد في الشرفه شيء على الارض
مطلقا باستثناء الحنطة ولايوجد في الشقه غيرك وانت اقل من 165 سم
بينما كنت استرسل
بحديثي الودي معه كنت اسجل من على مسجلتي الصغيرة حوارنا وفجأة اخترق سمعي صوت
مفتاح ينحشر في ثقب الباب
لتدخل علينا اميرة
عراقيه طول قامتها 170او اكثر رشيقه ملامحها مزيج من السمرة والبياض الاوربي
من يتأمل ملامحها كثيرا
يصبح شاعرا في الحال
سرقت مواعيد ظهورها على
الشرفه وكنت اتطلع اليها كل صباح وانا ارتشف قهوتي
لتلهمني من بعيد فكرة
اخرى لموضوعي القادم
ملاحظة:الامكنه
والازمنه لاعلاقة لها بالواقع