الاثار والمخطوطات العراقية .. حكاية بلا بداية ولانهاية!!

لم يعد اكتشاف قطعة تعود الى عهود سحيقة من تاريخ العراق الطويل او مخطوطة نادرة هي المفاجاة في مختلف الاوساط العلمية والاكاديمية والبحثية في العراق وخارجه بل بات الاعلان عن سرقة قطع اثرية او مخطوطات نادرة من المتاحف والدور الاثارية او اماكن العبادة هي المفاجاة التي باتت تحصل بين اونة واخرى . ومسلسل المفاجات على صعيد تاريخ العراق بدا منذ عصر الحصار الذي سيدخل التاريخ في ما بعد بانه العصر الذي فتح باب سرقة التراث والتاريخ العراقي على مصراعيه . صحيح ان اندر القطع والاثار العراقية الاصلية موجودة في معظم المتاحف العالمية الكبرى مثل اللوفر في باريس او المتحف البريطاني الا انه منذ عام 1990 تحولت سرقة الاثار والمخطوطات العراقية الى عملية شبه منظمة تقف وراءها مافيات دولية . فبعد حرب الخليج الثانية عام 1991 تعرضت المتاحف العراقية ودور الاثار والتراث والاضرحة والمراقد الى عملية نهب لامثيل لها . كما تعرضت المواقع الاثارية قليلة الحراسة اصلا والمنتشرة في كل انحاء العراق الى حفريات عشوائية من قبل سراق من اهالي المناطق التي تقع تلك المواقع بالقرب منها بسبب عدم قدرة الدولة على توفير الحراسات لمئات المواقع بعد فرض الحصار . وشيئا فشيئا اتخذت عملية السرقة شكلها المنظم لاسيما وان سعر قطعة اثرية صغيرة يمكن اخفاؤها بالجيب احيانا او بحقيبة صغيرة وبالتالي تمريرها على شرطة الحدود في نقطة الحدود الدولية الشهيرة بين العراق والاردن والمسماة ( طريبيل ) تصل الى مبالغ خيالية بالنسبة للسراق غير المحترفين لكنها تعد بسعر التراب بالنسبة للصوص الدوليين.

عين على المتحف

وبعد الحرب الاخيرة التي اسقطت النظام عام 2003 وبعد تراكم الخبرة لدى العديد من السراق المغامرين الذين جنوا في ظرف الحصار اموالا طائلة فان عينهم كانت طوال مدة الحرب على المتاحف ودور المخطوطات والعبادة ومواقع الاثار المنتشرة في كل انحاء البلاد . وعندما حل يوم التاسع من نيسان عام 2003 وبعد ان اتمت الدبابات الاميركية سيطرتها على العاصمة بغداد فيما تولت احداها اسقاط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس امام مئات عدسات التلفزيون ووكالات الانباء فقد بدا واضحا ان عملية ماعرف بـ ( الفرهود ) في العراق كانت تسير في بعض المواقع والحلقات بشكل منظم . ففيما هجم صغار السراق والمحرومون على بعض دوائر الدولة وحتى القصور الرئاسية املا في الحصول على المزيد من الاجهزة الكهربائية او قطع الاثاث بينما اكتفى البعض ومن باب الانتقام بلجلوس على كرسي صدام حسين الرئاسي فان هناك من كان يتبع تعليمات جادة تمثلت في التوجه لسرقة بعض المصارف والبنوك بينما اكتفى اخرون بتنفيذ عمليات الحريق الغامضة التي تلت سقوط بغداد واستمرت عدة ايام في حين كانت اعين الكثيرين على المتحف العراقي وسط العاصمة ودار مخطوطات صدام التي تضم اندر المخطوطات العراقية . وبين ليلة وضحاها اختفت مئات المخطوطات والكتب والقطع الاثرية النادرة من هذه الاماكن يينما لم يتمكن كبار الاثاريين العراقيين من وقف نزيف السرقات الحاد في الجسم التاريخي للعراق .

فتش عن اسرائيل

لم تغب نظرية المؤامرة عن اذهان العراقيين وهم يشاهدون ارثهم الحضاري وتراثهم الفكري يسرق بطريقة همجية وكانها عملية انتقام وليس مجرد الحصول على الاموال . ويمكن القول في هذا السياق انه في الوقت الذي كانت عملية السرقة منذ فرض الحصار حتى لحظة سقوط النظام والتي استمرت نحو 13 عاما من اجل المال بسبب وطاة ظرف الحصار فان عمليات السرقة التي تمت بعد اسقاط النظام كانت من اجل هدف اخر تم مؤخرا الكشف عن جزء منه عندما تم الاعلان عن تهريب مخطوطات عراقية وكتب نادرة مدونة باللغة العبرية كانت مودعة في احد المراكز الأميركية إلى احد المتاحف الإسرائيلية . وطبقا لما ذكرته رئيسة هيئة الاثار العراقية الدكتور أميرة عيدان إن "القوات الأميركية كانت عثرت في الأيام الأولى لدخولها العراق العام 2003 على نحو 30 صندوقا تحوي مخطوطات باللغة العبرية في احد أقبية دائرة المخابرات العراقية التابعة للنظام السابق في بغداد .وأوضحت أن المخطوطات كانت متضررة نتيجة المياه التي تسربت إلى الأقبية آنذاك ما دفع بالجهات الأميركية إلى تقديم عرض للجهات العراقية بنقل هذه المخطوطات إلى أميركا لمعالجتها هناك. وبالفعل تم عقد اتفاق بين السلطات الأميركية والهيئة العامة للآثار والتراث نقلت بموجبه المخطوطات المتضررة إلى مركز ( نارا ) في أميركا للصيانة على أن تستكمل الصيانة في مدة تناهز العامين. وأكدت عيدان أن الهيئة "كانت خاطبت أكثر من مرة المركز المذكور بعد سماع أنباء غير مؤكدة في أوقات سابقة عن تسرب المخطوطات وتهريبها، وهو ما نفاه المركز الأميركي آنذاك وطالب بإرسال وفد عراقي للتحقق من سلامة المخطوطات".

وكشفت عيدان عن "أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء قررت فعلا تشكيل لجنة فنية تضم في عضويتها ممثلين عن وزارة الخارجية والهيئة العامة للآثار للسفر إلى أميركا ومتابعة موضوع الوثائق العراقية هناك".غير أنها أشارت إلى أن الجهات العراقية "فوجئت الجمعة بسماع أنباء تؤكد انتقال المخطوطات إلى احد معارض تل أبيب ما دفع بوزارة السياحة والآثار العراقية إلى الاتصال بالملحقية الثقافية في السفارة الأميركية في العراق للتحقق من هذه الأنباء .
وكانت أنباء صحفية ذكرت أن كتبا نادرة للديانة اليهودية ظهرت في إسرائيل وذكرت الصحيفة أن من هذه الأعمال الثمينة المكتوبة باللغة العبرية تعليقا لسفر أيوب نشر في سنة 1487م وجزءا من كتب الأنبياء التي نشرت في البندقية في عام 1617 م.وأوضحت أن الجانب العراقي ينتظر الرد من السفارة الأميركية وانه في حال تأكد أن الوثائق المعروضة في إسرائيل هي ذاتها المودعة في أميركا فان العراق سيتخذ جملة من الإجراءات وفقا للقانون الدولي . ولم تكشف عيدان عن الإجراءات المتوقعة غير أنها أشارت إلى أن التدخل سيكون بشخص رئيس الوزراء نوري المالكي ووفقا للاتفاقية المبرمة بين العراق وأميركا حول نقل هذه المخطوطات المهمة".وأوضحت أن القانون الدولي سيرتب في حال صحة الأنباء عقوبات كبيرة على الجانب الأميركي قد تشمل دفع تعويضات مالية كبيرة للجانب العراقي .

تحقيق فقط

وما ان تم الاعلان عن هذا الخبر الحزين بالنسبة للعراقيين الذين يكتشفون يوميا سرقة من العيار الثقيل تطال اثارهم اعلنت الحكومة العراقية انها قررت البدء بالتحقيق في نقل الاف الكتب والوثائق العراقية النادرة الى اسرائيل والولايات المتحدة . غير انه طبقا لما كان قد اشار اليه في السابق اثاريون عراقيون مشهورون ومن ابرزهم مدير المتحف العراقي دوني جون الذي خرج من العراق قبل نحو ثلاث سنوات ومازال ناشطا في مجال اعادة الاثار العراقية النادرة الى مواقعها فان التحقيق لايمكن ان يفيد في عمليات من هذا النوع بل ان الامر يتطلب ادراكا دوليا لاهمية التراث الحضاري العالمي بالنسبة لبلاد مابين النهرين وان هذا التراث ملك للبشرية جمعاء . غير ان قيمته الحقيقة تكمن في ضرورة ان يكون في مكانه الطبيعي وفي اطار البيئة التي نشا في ظلها هذا التراث الذي لايزال حتى اليوم يلهم بني البشر . ومع عقد العديد من المؤتمرات الدولية ووجود المزيد من الاتفاقيات الدولية لحماية الاثار فان سلسلة الحروب والماسي التي ظل العراق يتعرض لها عبر العصور جعلت من قصة اثاره وكانها حكاية بلا بداية ولانهاية .

يعطيكي العافيه يالغاليه

تحياتي

magn0000n