بحث في الزواج الفاسد/المطلب الثالث/الزواج العرفي

المطلب الثالث
الزواج العرفي

إن انتشار ظاهرة الزواج العرفي وخاصة بين الشباب الجامعي من الجنسين ظاهرة هي بحق من اخطر الظواهر التي من شأنها تدمير أواصر هذه الأمة وتخريج أجيال ممن لا يعرفون لهم أبا أو أما , هي أجيال تعد من اللقطاء .. فهذا النوع من الزواج لا يحقق مقاصده الاجتماعية والإنسانية من تحقيق الآلف بين أسرتين يتحقق فيهما قول الله تعالى (( ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون))(1)

فهذا النوع من الزواج غير معروف لأسرة الولد أو البنت وليس فيه نفقة ملزمة ولا كسوة ولا سكن ولا رحمة لأن كل منهما يحرص على كتمان الأمر وإخفاء الزواج , وعليه يتملكهما الشعور بالإثم والخوف من المستقبل والقلق والاضطراب وهو ما يدفع أبوابا للفساد لا نهاية لها وعواقبه الحسرة والندامة وهذه بعض من الآثار السلبية للزواج العرفي سواء كان سريا أو معروفا :-

1) ضياع حقوق الزوجة حيث ان دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا قيمة لها أمام القضاء لعدم وجود وثيقة الزواج الرسمية.

2) ان الزوجة قد تبقى معلقة لا تستطيع الزواج بآخر إذا تركها من تزوجها عرفيا دون ان يطلقها وانقطعت أخباره عنها .

3) ان الأولاد الذين يأتون نتيجة للزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي بهم إلى الضياع والتمزق داخل مجتمعهم بل وقد ينكر نسبهم .

-----------------------------------------------------------------------------

(1) سورة الروم .

27

4) بما أن الأصل في الزواج الإشهار والإعلان ومن ثم تبادل التهاني والتعارف بين أهل وأقارب الزوجين , وحيث ان الزواج العرفي يتم في سرية وكتمان يترتب عليه انقطاع أواصر المودة والتقارب بين أهل الزوجين .

5) ماذا لو تقدم شاب يريد الزواج ممن تزوجت عرفيا؟ ماذا سوف يكون موقفها أمام أهلها وأمام أهل من تقدم للزواج بها؟

6) إن ما يسمى بالزواج العرفي أحيانا يكون الغرض منه هو التحايل والتلاعب على القوانين كأن يقصد منه الحصول على منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة المتزوجة عرفيا على معاش ليس من حقها لو تزوجت رسميا , وهو ما يرفضه الضمير والأمانة .(1)

لكل هذه الأسباب وغيرها ننصح كل شاب وفتاة بالابتعاد عن الانصياع لهذه الظاهرة المحكوم عليها بالفشل والسقوط في دهاليز وسراديب الضياع والتمزق والهلاك . فمما لا شك فيه ان العقلاء من الناس هم الذين يسلكون في شؤونهم ولا سيما الزواج , الطريق السليم الذي دعت إليه القوانين المعمول بها والتي تؤيدها شريعة الإسلام.

وعليه يعد الزواج العرفي المنتشر حاليا بين طلبة المدارس والجامعات بدون أية ضوابط أو معايير أو احترام لأية تقاليد او قيم دينية زواج باطل لا يحقق مقاصد الشرع المعلنة والمعروفة شرعا وهي اعمار الأرض وعبادة الله وتلبية الاحتياجات النفسية والجسدية بما يحقق الصون والعفاف والإحسان والمودة .

وسنقسم هذا المطلب إلى فرعين نتناول في الأول تعريف الزواج العرفي وفي الثاني حكمه .

----------------------------

(1) الشبكة المعلوماتية العالمية www.islamonline.net

28

الفرع الأول
تعريف الزواج العرفي

عرفته مجلة البحوث الفقهية المعاصرة فقالت ( هو اصطلاح حديث يطلق على عقد الزواج غير الموثق بوثيقة رسمية, سواء أكان مكتوب أو غير مكتوب).

ويعرفه الدكتور عبد الفتاح عمرو فيقول: (هو عقد مستكمل لشروطه الشرعية إلا انه لم يوثق, أي بدون وثيقة رسمية كانت او عرفية).

ويعرفه الدكتور محمد فؤاد شاكر فيقول: (هو زواج يتم بين رجل وامرأة قد يكون قولياً مشتملا على اضهار الإيجاب والقبول بينهما في مجلس واحد وبشهادة الشهود وبولي وبصداق معلوم بينهما ولكن في الغالب يتم بدون إعلان , وإجراء العقد بهذه الصورة صحيح).

ويعرفه الدكتور محمد عقلة فيقول عن العقد في هذا الزواج: (يتم العقد –الإيجاب والقبول- بين الرجل والمرأة مباشرة مع حضور شاهدين دونما حاجة إلى أن يجري بحضور المأذون الشرعي أو من يمثل القاضي أو الجهات الدينية). (1)

وتسمية الزواج العرفي تدل على أن هذا العقد اكتسب مسماه من كونه عرفا اعتاد عليه أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام وما بعد ذلك من مراحل متعاقبة , فلم يكن المسلمون في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج , ولم يكن ذلك يعني إليهم أي حرج , بل اطمأنت نفوسهم إليه فصار عرفا عرف بالشرع واقرهم عليه ولم يرده في أي وقت من الأوقات .

--------------------------------------------------------

(1) الشبكة المعلوماتية العالمية www.islamonline.net

29

إن الزواج العرفي بالعرض السابق لم يعد موجودا الآن, في حين يرى البعض أن الموقف في صدر الإسلام كان يكتفي بشهادة شاهدين فقط, تناسوا الأمر الأكثر أهمية وهو أن الأمر في صدر الإسلام لم يكن يحتاج الى توثيق لقلة العدد وان الزواج كان يتم بالمسجد ويعلم به الكافة ولم تحدث أية حالة إنكار نسب او تهرب من مسؤولية منزل أو زوجة او نفقة أما التطبيق الحالي فلا تتوفر فيه أياً من هذه الشروط وعليه لا يجوز مطلقا المقارنة بين ما كان يحدث في القدم والهرج الذي يعيشه الآن طلبة الجامعات ...

لقد أمر الله تعالى بالولي والشهود والمهر والعقد والإعلان , فقال جل شأنه ((اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا اتيتموهم أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي اخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين)) .(1)

والزواج ليس علاقة بين الرجل والمرأة تنشأ في فراغ اجتماعي, ولكنه علاقة بين أسرتين وعائلتين قائمة بالمودة والرحمة والتناصر, فيكون منع المرأة من الاستقلال بالعقد رعاية لحق أسرتها في ان تكون العلاقة الزوجية سببا في توطيد أواصر المودة بين أسرة الرجل وأسرة المرأة, ويضاف إلى هذا ان النصوص عن الكتاب والسنة لا تدل قطعا على حق المرأة في الاستقلال بالعقد . ان تكريم الإسلام للمرأة منحها حقها في اختيار زوجها ولكن ليس في السر او من وراء أسرتها, وأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم) تبين كيفية المشاركة في الاختيار, ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (لا تنكح الايــــم

----------------------------------------------------------

(1) سورة المائدة , الاية (5) .

30

حتى تستأمر , ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) قالوا : يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : ( ان تسكت ) . (1)

وإذا رفضت المرأة رجلا فليس لوليها ان يكرهها على الزواج منه لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) : (الايم أحق بنفسها من وليها , والبكر تستأمر , وإذنها سكوتها ) . (2)

وليس معنى أنها أحق بنفسها ان وليها لا حق له , بل له الحق , ولكنها أحق عند المفاضلة إذا تعارضا بالقبول والرفض .

--------------------------------------------

(1) الإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري , المصدر السابق .

(2) الإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري , المصدر السابق .

31

الفرع الثاني
حكم الزواج العرفي

إذا النكاح العرفي قد تم بإيجاب وقبول من الزوج , وشهد عليه شاهدان على الأقل وجرى الإعلان عنه , فهذا زواج شرعي صحيح وان لم يسجل في الدوائر الحكومية الرسمية وان لم تصدر به وثيقة رسمية وبهذا أفتى كل العلماء الذين سئلوا عن هذا الزواج ومن هؤلاء العلماء فضيلة الشيخ حسنين مخلوف حين سئل عن حكم الزواج من غير توثيق فقال: (عقد الزواج إذا استوفى أركانه وشروطه الشرعية تحل به المعاشرة بين الزوجين وليس من شرائطه الشرعية إثباته كتابة في وثيقة رسمية ولا غير رسمية وإنما التوثيق لدى المأذون أو الموظف المختص , نظام أوجبته اللوائح والقوانين الخاصة بالمحاكم الشرعية خشية الجمود وحفظا للحقوق , وحذرت من مخالفته لما له من النتائج الخطيرة عند الجمود) .

والذي يتضح في هذه المسألة أن عقد الزواج في الشريعة الإسلامية يتم بألفاظ مخصوصة تتضمن الإيجاب والقبول , فإذا تحققت هذه الألفاظ مع بقية الأركان والشروط الأخرى كتعيين الزوجين في العقد وتوافر رضاهما وتعيين الصداق مع وجود الولي والشهود وخلوه من الموانع الشرعية فقد انعقد الزواج .وقد اكتفى المسلمون في سابق عصرهم بتوثيق الزواج بالشهادة , ومع تطور الحياة وتغير الأحوال , وما يطرأ على الشهود من العوارض نص العديد من القانونيين على إلزام الزوجين بتوثيق عقدهما كتابة , وقد تنشأ إلى جانب هذا في بعض البلدان ما يسمى (الزواج العرفي) وغير الموثق بوثيقة رسمية , ويعد هذا الزواج صيحا لتوافر أركانه الشرعية ولا يختلف عن الزواج الرسمي إلا من حيث التوثيق كتابة , وقد ساعد على وجود هذا النوع من الزواج عدة عوامل منها رغبة الزوج في إخفاء زواجه إن كان متزوجا من زوجة أخرى , ومنها ما يتطلبه توثيق الزواج من قيود وأعباء مالية ولكن هذا

32

الزواج لا يخلو من المشكلات أهمها : صعوبة الإثبات في حالة الخلاف وخاصة في مسألة الميراث إما لغفلة الشهود وإما نسيانهم وإما لإنكارهم .

ولذلك فان الاحوط والأسلم توثيق الزواج بوثيقة رسمية ضمانا للحقوق خصوصا في وقتنا الحاضر الذي كثرت فيه الخصومات والمنازعات وفساد الكثير من الذمم .

أما الزواج الشرعي غير المستوفي للشروط الشرعية سواء كان محررا او تم شفاها لا تسمع الدعاوى الناشئة عنه ومن ثم فانه لا يترتب لأي الزوجين أياً من الحقوق المترتبة على عقد الزواج الرسمي فلا تجب نفقة الزوجة على زوجها ولا حق له في طاعتها ولا يرث احدهما الآخر اللهم إلا إذا اقر الزوجان به أمام القضاء ولم يكن محلا لإنكار وترتب عليه صدور حكم من القضاء بإثباته مع ذلك فحفظا للأنساب فانه يثبت به نسب الأولاد بكافة طرق الإثبات , وإذا كان الزواج العرفي قد توفرت له شروط الانعقاد الصحيحة فما الذي يمنع من أن يكون على يد الموظف المختص الذي حددته الدولة لذلك ( المأذون الشرعي ) .

ويرى الدكتور احمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر الأسبق أن الزواج العرفي حرام حتى إذا كان مستوفيا الأركان , فعدم التوثيق يعرض حقوق المرأة للضياع أما اذا افتقد الزواج احد أركانه فانه لا يعد زواجا , واتفق معه في هذا الرأي كل من فضيلة الشيخ عطية صقر –رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر- والدكتور عبد المعطي بيومي أستاذ التفسير بالأزهر . (1)

---------------------------------

(1) الشبكة المعلوماتية العالمية www.islamonline.net

33

مشكوررررررررر

ما اتحمل اذا ما ارد

عيوني الكم بس لو يصحون بقية الاعظاء حتى نكدر نطور المنتدى

بهمة الباقين