بحث في الزواج الفاسد/المبحث الاول/المطلب الثاني/الزواج في الديانات السماوية

المطلب الثاني
الزواج في الديانات السماوية

عنيت الشرائع السماوية بتنظيم الزواج عناية خاصة تبدو فيما جاء بشأنه في الكتب السماوية سواء في التوراة أم الإنجيل أم القرآن وقد حرصت تلك الشرائع على تنظيمه فأحاطته باهتمام وعناية في

جميع مراحله , بل إن عنايتها بتنظيمه لم تقف على المرحلة التي ينشأ فيها , أي المرحلة التي تقوم فيها العلاقة بين الزوجين , ولكنها امتدت إلى ما قبل ذلك بل وحتى إلى ما بعد انتهاء رابطة الزوجية , ذلك إن تلك الشرائع قدرت ما للزواج من أهمية اجتماعية خاصة فحرصت على أن يكون اختلاط الرجل بالمرأة اختلاطا مشروعا , ولهذا تدخلت بفرض إجراءات معينة من شأنها تنظيم العلاقة بينهما عن طريق الزواج وحرمت كل علاقة جنسية بين الذكر والأنثى خارج نطاقه .

وإذا كان القران الكريم قد أبان عن نعمة الزواج وضرورته في مواضع شتى , فان الشريعة المسيحية والشريعة الموسوية قد أبانتا كذلك عن ضرورته وأهميته .

فقد أبانت الديانة الموسوية عن ضرورة الزواج وأهميته منذ بدء الخليقة , كما حثت على الزواج والتناسل فجاءت التوراة تأمر وتحث على الزواج بقولها : (فأثمروا انتم وأكثروا وتولدوا في الأرض وتكاثروا فيها) .

وقد عنيت الديانة المسيحية بتنظيم الزواج ووضع أسسه وأسس العلاقة بين الزوجين وحقوق كل منهما وواجباته نحو الآخر وحثت على : ((يوفي الرجل المرأة حقها الواجب وكذلك أيضا الرجل)) , كما بينت انه بالزواج يحل للرجل التمتع بامرأته وللمرأة التمتع بزوجها , وان هذا الحق قاصر عليهما دون غيرهما إذ : ((ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل , وكذلك الرجل أيضا ليس له

8

تسلط على جسده بل للمرأة)) . وغير ذلك من الآيات المنظمة لشؤون الزواج والعلاقة بين الزوجين .

وإذا أردنا أن نعرف الزواج في الشريعة المسيحية نجد أن الخلاف يثور حول طبيعته وما إذا كان عقدا أم نظاما قانونا.

ويتجه فريق من الفقهاء إلى تعريفه بأنه عقد بمقتضاه يتفق رجل وامرأته على أن يرتبطا من اجل المعيشة المشتركة بينهما , ومن اجل أن يتبادلا المعونة والرعاية لخيرهما المشترك , وذلك في حدود ما يقضي به القانون . فهذا الفريق يبرز الجانب التعاقدي في الزواج ويضعه في المقام الأول , ويتجه جانب آخر من الفقه إلى إبراز العلاقة أو الحالة التي يكون فيها كل من الرجل والمرأة مرتبطا بالزواج , فيعرفون الزواج بأنه ارتباط الرجل والمرأة ارتباطا يقصد منه إنشاء أسرة , وهذا الارتباط يقره القانون ويرتب عليه آثارا قانونية لما له من طابع أخلاقي ومن أهمية اجتماعية .(1)

وهناك ميزة يتميز بها الزواج المسيحي وهي أن الغرض الأول من الزواج هو إنجاب الأولاد وتربيتهم أي تكوين الأسرة أما الغرض الثانوي منه فهو التعاون المتبادل بين الزوجين على شؤون الحياة وإطفاء الشهوة .

ومن الأغراض السابقة تبرز لنا مميزاته الجوهرية التي هي الوحدة وعدم القابلية للانحلال .

الوحدة : تعتبر الوحدة في الزواج المسيحي من المبادئ التي تمسكت بها من أول عهدها , فلا يجوز للمسيحي أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة في وقت واحد كما لا يجوز للمرأة التزوج بأكثر من رجل واحد في الوقت نفسه.

عدم القابلية للانحلال: وهذا يستند إلى ما جاء في الكتاب المقدس كما تستند إلى ما جاء في رسائل الرسل وتعاليمهم كما أنها من الأمور التي أكدتها المجامع الكنسية.

-----------------------------------

(1) د- توفيق حسن فرج , أحكام الأحوال الشخصية لغير المسلمين , الدار الجامعية , بيروت , 1982 , ص147

9

أما بالنسبة للدين الإسلامي فقد اجمع المسلمون على أن الزواج مشروع ثم اختلف أهل العلم في حكمه على ثلاثة أقوال: (1)

الأول انه واجب على كل قادر عليه في العمر مرة وهو مذهب داود الظاهري وابن حزم وهو قول جماعة من السلف واستدلوا بظاهر الأوامر الواردة في ((الترغيب في الزواج)) قالوا: الأصل في الأمر انه للوجوب .

القول الثاني انه مستحب وهو مذهب أكثر أهل العلم وجمهورهم من الأئمة الأربعة وغيرهم . وقد حملوا الأوامر بالنكاح على الاستحباب , فقالوا في قوله تعالى((فانكحوا ما طاب لكم من النساء)) (2) , إن الله تعالى علق الأمر بالنكاح على الاستطابة فمن لم تطب نفسه أن يتزوج فلا حرج عليه .

والقول الثالث يختلف حكمه باختلاف حال الشخص , وهذا هو المشهور عند المالكية وفيما يلي بيان ذلك : (3)

· من يندب في حقه الزواج/ المندوب هو الأمر الذي امر الشرع به , ورغب فيه في غير إيجاب ويقال له : الأمر المستحب والمسنون , ويستحب الزواج في حق من وجد القدرة على الإنفاق وكانت لديه القدرة أيضا على الجماع , ولكن لا يخاف على نفيه من الوقوع في الزنا أو مقدماته , وإنما يستحب الزواج لما فيه من المنافع الدنيوية والأخروية .

· من يجب في حقه الزواج/ يجب الزواج في حق من وجد القدرة على الجماع والنفقة وخاف على نفسه من الوقوع في الزنا أو مقدماته , وذلك حماية لعرضه .

-----------------------------------------

(1) أبو مالك كمال بن السيد سالم , صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الائمة , الجزء الاول , المكتبة التوفيقية , القاهرة , سنة الطبع بلا , ص94 .

(2) سورة النساء .

(3) د- محمد بكر اسماعيل ’ الفقه الواضح من الكتاب والسنة على المذاهب الاربعة , المجلد الثاني , دار المنار , القاهرة , 1997 , ص215 .

10

· من يحرم في حقه الزواج/ ويحرم الزواج في حق من فقد القدرة على الجماع والنفقة , وانعدام الباعث عليه , والدافع إليه , وخاف إن تزوج أن يقع في المحظور كأن يجد نفسه مضطرا إلى كسب رزقه من طريق غير مشروع –فإنه- يجب عليه في هذه الحالة أن لا يقدم على الزواج صيانة لدينه حتى تتوفر له أسبابه أو يقضي الله أمرا كان مفعولا .

من يكره في حقه الزواج/ ويكره الزواج في حق من فقد القدرة على النفقة وهو قادر على الجماع ولا يخشى على نفسه من الوقوع في الزنا أو مقدماته ويستحب له أن يصبر حتى يجد النفقة على الزواج , لقوله تعالى ((وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)) (1)

فالزواج من آكد السنن فهو سنة المرسلين ولاشك في وجوبه عند الخوف من الوقوع في الزنا مع القدرة عليه , وأما جعل بعض أقسامه مباحا ففيه دفع في وجه الأدلة , ورد للترغيبات الكثيرة وكذلك لا ينبغي أن يجعل الزواج محرما في حق من لا شهوة له , فان في الزواج مقاصد أخرى يمكن أن تتحقق , فان رضيت الزوجة بذلك ولم يكن قد دلس عليها فلا حرمة فيه , والله اعلم .(2)

--------------------------------------------

(1) سورة النور , الاية (23) .

(2) ابو مالك بن السيد سالم , المصدر السابق .

11

مشكور انا شخصيا استفدت كثيرا من هذا الموضوع بذات بشكل كبير

هو الهدف من المنتدى فائدة الاخرين , انتظر مشاركاتكم